أفضلية ليلة المولد على ليلة القدر
المعيار المعرب للونشريسي رحمه الله:
فائدة جليلة:
صرح الشيخ الخطيب الحاج الرحال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مرزوق، رحمه الله، بإيثار ليلة مولده عليه السلام على ليلة القدر، واحتج بمختاره في كتابه: جنا الجنتين في فضل الليلتين بإحدى وعشرين وجهاً. وها أنا أسردها بعون الله قال:
الأول إن الشرف هو العلو والرفعة، وهما نسبتان إضافيتان، فشرف كل ليلة بحسب ما شرفت به، وليلة المولد شرفت بولادة خير خلق الله عز وجل، فثبت بذلك أفضليتها بهذا الاعتبار.
الثاني إن ليلة المولد ليلة ظهوره صلى الله عليه وسلم، وليلة القدر معطاة له حسبما قدمناه، وما شرف بظهور ذات المشرَّف أشرف مما شَرُف بسبب ما أعطيه، ولا نزاع في ذلك فكانت ليلة المولد بهذا الاعتبار أشرف.
الثالث إن ليلة القدر إحدى ما منحه من شرفت ليلة المولد بوجود من المواهب والمزايا وهي لا تحصى كثرة، وما شرف بإحدى خصائص من ثبت له الشرف المطلق لا يتنزل منزلة المشرف بوجوده، فظهر أن ليلة المولد أشرف بهذا الاعتبار وهو المطلوب.
الرابع إن ليلة القدر شرفت باعتبار ما خُصت به وهو منقض بانقضائها إلى مثلها من السنة المقبلة على الأرجح من القولين، وليلة المولد شرفت بمن ظهرت آثاره، وبهرت أنواره أبداً في كل فرد من أفراد الزمان إلى انقضاء الدنيا.
الخامس إن ليلة القدر شرفت بنزول الملائكة فيها وليلة المولد شرفت بظهور النبي صلى الله عليه وسلم فيها، ومن شرفت به ليلة المولد أفضل ممن شرفت بهم ليلة القدر على الأصح المرتضى فتكون ليلة المولد أفضل من هذا الوجه وهو المطلوب.
السادس الأفضلية عبارة عن ظهور فضل زائد في الأفضل، والليلتان معاً اشتركتا في الفضل بتنزل الملائكة فيهما معاً حسبما سبق مع زيادة ظهور خير الخلق صلى الله عليه وسلم في ليلة المولد، ففضلت من هذا الوجه على القولين جميعاً في المفاضلة بين الملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
السابع إن ليلة القدر شرفت بنزول الملائكة عليهم الصلاة والسلام وانتقالهم في محلهم من الأعلى إلى الأرض، وليلة المولد شرفت بوجود صلى الله عليه وسلم وظهوره، وما شرف بالوجود والظهور أشرف مما شرف بالانتقال.
الثامن إن ليلة القدر فضلت باعتبار عمل العامل فيها فإذا قدرت أهل الأرض كلهم عاملين فيها فلا يلحقون قدر من شرفت به ليلة المولد ولا يلحقون عمله في لحظة وإن كان في غيرها. فتثبت أفضلية المولد بهذا الاعتبار.
التاسع شرفت ليلة القدر لكونها موهوبة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم عناية عليه السلام وشرفت ليلة المولد بوجود من وهبت ليلة القدر لأمته صلى الله عليه وسلم اعتناء به فكانت أفضل.
العاشر ليلة القدر وقع التفضيل فيها على أمة محمد عليه السلام وليلة المولد الشريف وقع التفضيل فيها على سائر الموجودات فهو الذي بعثه الله رحمة للعالمين فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ} فعمت به النعمة على جميع الخلائق فكانت ليلة المولد أعم نفعاً بهذا الاعتبار فكانت الشرف وهو المطلوب.
الحادي عشر إن ليلة المولد فضلت على غيرها من ليالي السنة بولادته صلى الله عليه وسلم فإنك تقول فيها ليلة مولد محمد صلى الله عليه وسلم وتقول في ليلة القدر ليلة القدر: وهو الشرف، وأما التقدير والإضافة إلى ليلة المولد إضافة اختصاص. وهي أفضل وأبلغ من الإضافة إلى مطلق الشرف أو ليلة التقدير فهي وإن كان التقدير فيها من لوازم شرفها فاعتباره في ليلة المولد ليلة الشرف العام بلا افتراء فثبت فضل ليلة المولد وهو المطلوب.
الثاني عشر إن ليلة القدر إنما يحظي بها العامل فيها فمنفعتها قاصرة، وليلة المولد متعدية منفعتها. وما كانت منفعتها متعدية أفضل من غيرها وهو المدعى.
الثالث عشر إن ليلة القدر ثبت في فضلها ما ثبت مما قدمناه إلا أنه عرض فيها ما عرض من الخلاف في البقاء والرفع، وإن ضعف، وليلة مولده عليه السلام شرفها باق لما سنذكره بعد إن شاء الله تعالى فكانت أفضل بهذا الاعتبار.
الرابع عشر المدعَى إن ليلة المولد أفضل، ويدل عليه أن تقول: زمن شرف بولادته صلى الله عليه وسلم وإضافته إليه، واختص بذلك فليكن أفضل الأزمنة قياساً على أفضلية البقعة التي اختصت بمحمد صلى الله عليه وسلم ولُحِد بين أطباقها على سائر الأمكنة، وقد فضلت إجماعاً فليكن الزمن الذي اختص بولادته صلى الله عليه وسلم أفضل الأزمنة بهذا الاعتبار.
الخامس عشر إن ليلة القدر فرع ظهوره صلى الله عليه وسلم والفرع لا يقوى قوة الأصل ففضلت ليلة المولد على ليلة القدر بهذا الاعتبار وهوالمطلوب.
السادس عشر إن ليلة المولد حصل فيها من الفيض الإلهي النوراني ما علم الوجود ووجوده مقارن لوجوده صلى الله عليه وسلم، ولم يقع ذلك إلا فيما وجب فضلها على غيرها وهو المدعى.
السابع عشر إن ليلة المولد أظهر الله تعالى فيها أسرار وجوده صلى الله عليه وسلم التي ارتبطت بها السعادة الأخروية على الإطلاق واتضحت للحقائق وتميز بها الحق من الباطل وظهر ما أظهر الله تعالى في وجود من أنوار السعادة وسبيل الرشاد وافترق به فريق الجنة من فريق السعير وتميز وعلا به الدين وأظلم الكفر وهو الحقير، إلى غير ذلك من أسرار وجود الله عز وجل في مخلوقاته، وما هو الموجود من آياته ولم يثبت ذلك في ليلة من ليالي الزمان، فوجب بذلك تفضيلها بهذا الاعتبار وهو المطلوب.
الثامن عشر وهو تنويع في الاستدلال وإن كان معنى ما تقدم وهو أن نقول: لو لم تكن ليلة المولد أفضل من ليلة القدر للزم أحد أمور وهي: إما تفضيل الملائكة على النبي صلى الله عليه وسلم، أو العمل المضاعف أو التسوية. وكلها ممتنع، أما الأول فعلى الصحيح المرتضى وأما الثاني والثالث فباتفاق وبيان الملازمة أن التفضيل في الأول حصل بولادته صلى الله عليه وسلم وفي الثانية إما بنزول الملائكة أو للعمل.
العشرون(1) لقد أغفل في المطبوعة الحجرية ذكر الوجه التاسع عشر.) أن بعض زمان المولد الشريف هو زمان ولادته صلى الله عليه وسلم، وولادته صلى الله عليه وسلم أفضل الأزمنة فبعض ليلة المولد أفضل الأزمنة وإذا فضل بعضها على سائر الأزمنة فضلت ليلة القدر بهذا الاعتبار.
الحادي والعشرون إن أفضل الأزمنة زمن ولادته صلى الله عليه وسلم، ولا شيء من زمان ولادته صلى الله عليه وسلم بليلة القدر فلا شيء من أفضل الأزمنة بليلة القدر، وينعكس إلى قولنا لا شيء من ليلة القدر بأفضل الأزمنة هذا إبطال لدعوى الخصم إذاً.